يُمثل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بين إيران وإسرائيل خطوةً مُبشّرةً نحو خفض التصعيد في منطقةٍ طال أمد الصراع فيها. ويُؤمَل أن يمتد هذا الهدوء إلى غزة، فاتحًا الباب أمام مفاوضاتٍ بنّاءةٍ قائمةٍ على القانون الدولي والدبلوماسية. ويجب أن يكون الهدف الأسمى هو تخفيف التوترات الإقليمية وتمهيد الطريق لاستقرارٍ وتنميةٍ طويلَي الأمد، وإنهاء إراقة الدماء.
تتمتع منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا منطقة الخليج، بإمكانيات هائلة تُمكّنها من أن تكون محركًا عالميًا للتقدم الاقتصادي. فبفضل غناها بالطاقة والموارد الطبيعية، وموقعها الاستراتيجي، وشعبها الشاب الطموح، يُمكن لهذه المنطقة أن تُصبح قوةً محوريةً في إنعاش الاقتصاد العالمي. ولكي يتحقق ذلك، لا بدّ من ترسيخ السلام. سيمتدّ الاستقرار في الخليج إلى الخارج، مُقدّمًا فوائد تتجاوز حدوده بكثير.
في وقتٍ يواجه فيه العالم أزماتٍ اقتصادية وجيوسياسية متداخلة، يُمثل عدم الاستقرار في منطقةٍ غنيةٍ بالموارد مفارقةً. ما نحتاجه الآن هو تغييرٌ في العقلية، تُعطي الأولوية للتعاون على السيطرة، والشمول على الاستغلال، والبناء على الهدم. هذا النهج الجديد لا يرفض المصلحة الوطنية الذاتية، بل يُعزز مسارًا متوازنًا يسعى إلى الرخاء دون إعاقة تقدم الآخرين، ويسعى إلى الأمن دون زعزعة استقرار الجيران.
على مر التاريخ، برهنت جهود السلام الناجحة على قوة الحوار والدبلوماسية. أنهت اتفاقيات دايتون عام ١٩٩٥ الحرب المدمرة في البوسنة، وأرست أسس السلام والحكم الرشيد. ومؤخرًا، أنهى اتفاق السلام بين كولومبيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) عام ٢٠١٦ عقودًا من الصراع المسلح. تُبرز هذه الأمثلة أنه بالرؤية والالتزام والدعم الدولي، يُمكن تحقيق التعافي والتقدم حتى في أكثر المجتمعات تمزقًا.
لذا، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود تعزيز السلام والحوار في الشرق الأوسط. ودول الخليج، على وجه الخصوص، على أهبة الاستعداد لأن تصبح مراكز للتنمية المستدامة والابتكار، شريطة أن تُتاح لها الفرصة للقيام بذلك في بيئة آمنة وتعاونية.
الآن، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج العالم إلى قيادة حكيمة. لقد حان الوقت لاستبدال الأسلحة بالحكمة، والصراع بالتعاون. بالإرادة الجماعية والعقول الرشيدة، يمكننا بناء مستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا، ليس فقط للشرق الأوسط، بل للبشرية جمعاء.


أضف تعليقًا